أهمية النقد الفني وأسسه
سأستعرض أهمية النقد الفني ووظائفه كما وردت في أغلبية الكتب العربية والأجنبية
1- أهمية النقد الفني في ثقافة المجتمع
يكتسب النقد الفني أهميته من خلال الأدوار التي يقوم بها، ويؤثر بواسطتها في الفنون التشكيلية، التي تعتبر جزءاً من ثقافة المجتمع. ففي الفنون التشكيلية يتخذ النقد الفني من وسائل الإعلام العامة Mass media مثل الصحافة والقنوات التلفزيونية، أدات للوصول إلى هدف معين ألا وهو الرقي بالذوق العام في المجتمع من خلال شرح وتفسير القيم الفنية في الإنتاج الفني. ويقدم النقد الفني النصائح للفنانين حول الكيفية التي يجب أن ينتج بها العمل الفني، متأثراً بوجهة نظر المجتمع تجاه الإنتاج الفني المعاصر. وكذلك يقف النقد الفني في مواجهة التيارات الفكرية المتعارضة مع قيم المجتمع الخاصة، سواء أكان ذلك في الإعلام أو في التربية الفنية.
وترتبط الفنون التشكيلية بعلاقة وطيدة بالمجتمع الذي أنتجت فيه، وهي نشاط إنساني تقوم به فئة معينة من المجتمع، هم الفنانون الذين يتفاعلون مع بيئتهم ومجتمعهم لينقلوا صوراً صادقة تعكس حالة الحياة والمجتمع الذي يعيشون فيه. ويقوم ازدهار الفنون التشكيلية على التفاعل المتبادل بين ثلاثة عناصر، تحددها البيطار (1997) في: إبداعات الفنانين (الإنتاج الفني)، والنقد الفني، بالإضافة إلى منظومة العلوم والثقافة والتراث والتي تشكل الذوق العام في المجتمع. وتؤثر هذه العناصر في الحركة التشكيلية وبالتالي في النقد الفني. حيث أن التفاعل بين هذه العناصر يتم في حركة ديناميكية متبادلة، ففي دائرة الفنون التشكيلية، لا وجود لأحد هذه العناصر في غياب العناصر الأخرى، فكل عنصر من هذه العناصر يؤثر في الآخر. (ص9)
وهناك أدوار عديدة للنقد الفني منها الرقي بالذوق العام في المجتمع، وتوجيه الفن والفنانين وتقييم أعمالهم، ونقل صور الفكر والثقافة والتراث الفني. وللنقد دور مهم في التربية الفنية، وفي مواجهة التيارات الفكرية المخالفة لثقافتنا الإسلامية. ومن المأمول أن يكون الفن في خدمة المجتمعات. فنجد أفلاطون Plato، صاحب المبدأ المثالي، في القرن الخامس قبل الميلاد (عند Barrett 1994) يؤكد على أثر الفن على السلوك الاجتماعي. وهو يرى أن يستبعد الفن الذي يؤدي إلى سلوك غير مرغوب في المجتمع، وأن يستخدم الفن الذي يؤدي إلى سلوكيات محمودة في خدمة المجتمعات. (ص104) ويؤيد هذا الرأي المفكر الروسي ليو توليستوي Leo Tolstoy , وهو من أبرز مفكري القرن السابع عشر، (Barrett 1994, p104) فالفن من وجهة نظره هو قوة يجب أن تنتج أعلى مستويات السلوك الأخلاقي. ويعتبر الباحث أن أهم ما يميز الفنون عبر التاريخ هو دورها الاجتماعي الذي أثرت من خلاله على حياة الأفراد والجماعات. وقد كان النقد في شتى صوره يتعامل مع الفنون من منظور اجتماعي ونفعي ومن خلال الإرضاء الجمالي.
يحلل النقد الفني ويفسر الأعمال الفنية للرقي بالذوق العام في المجتمع، وتتأكد أهميته بصفته عنصراً فاعلاً في الحركة التشكيلية بشكل خاص وفي المجتمع وفي الحركة الثقافية والفكرية بشكل عام من خلال الوظائف والأدوار التي يقوم بها في الحياة المعاصرة. حيث أصبحت للنقد الفني وظيفتان من وجهة نظر البيطار (1997): الوظيفة الأولى "مباشرة تنطلق باسم المجتمع والجمهور إلى الفن، لتهديه (أي الفن) نحو منظومة القيم والتوجهات التي تميز بها هذا المجتمع أو يطمح إليها." أما الوظيفة الثانية فهي معكوسة أي "تنطلق من الفن إلى المجتمع، مهمتها تقديم وتفسير القيم المبتكرة والجديدة التي يطرحها الفنانون في أعمالهم." (ص11) وبذلك يكون النقد الفني في قيامه بدوره هذا، مركزاً للوصل بين الفن والذوق العام في المجتمع ومنظماً للحوار بينهما، وبذلك يمثل النقد الفني صوت المجتمع والجمهور، وصوت الفن والفنانين في نفس الوقت.
ويتضمن النقد الفني عملية تقييم للأعمال الفنية، فهو رد فعل مدروس من قبل الناقد نحو العمل الفني. والناقد هو ذلك الشخص الذي يكتب أو يتحدث عن انطباعاته حول إنتاج الفنانين. ولا يعني ذلك أن النقد هو محاولة استخراج العيوب، بل يعني أن يقوم الناقد بتفحص الأعمال الفنية تفحصاً دقيقاً مبنياً على قدراته الخاصة، وخبراته الفنية، وما يتمتع به من ثقافة عامة، ليقدم تلك الأعمال إلى جمهور المتلقين بصورة مكتوبة أو منطوقة، وليساعدهم على إدراك خصائص وأبعاد ومضامين هذه الأعمال الفنية. (Gill 1999, P.2)
ويتبع بعض النقاد اتجاهات فنية معينة تتضح من خلال كتاباتهم، هذه الاتجاهات قد تكون متأثرة بفكر سياسي أو اجتماعي ما... أو غيرها من التوجهات، بينما يحاول البعض الآخر تجنب التأثر بأي فكر مهما كان نوعه، ويفضلون الحديث عن الأعمال الفنية من المشاهدات الظاهرية فقط، أو ما يعبر عنه بعض النقاد بحب الفن أو الأعمال الفنية كما يؤكد ذلك مجموعة من النقاد المعاصرين من أمثال روبرت روزنبلوم Robert Rosenblum، ورينيه ريكارد Rene Ricard، وروزليند كاروس Rosalind Krauss. (عند Barrett 1994) يؤكد هؤلاء النقاد على أنه من المفروض أن يكتب الناقد عن حبٍ للعمل الفني، أي أن لا يكتب عن الأعمال التي لا تعجبه، بل أن يكتب عن تلك الأعمال التي يفضلها عن غيرها، وهذا في اعتقادهم ما يجب أن يقوم به الناقد في الأساس. فالناقد هو شخص متحمس للفن، ومن واجبه أن يشعل الحماس في الفنانين الذين ألهموه بأعمالهم الفنية التي قدمت تجربة جديدة تستحق التقدير والحديث أو الكتابة عنها، لتقديمها من خلال الصحافة إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين والمحبين للفن. وبالتالي فإن الناقد هو شخص متعاطف مع الفنان والعمل الفني ينقل وجهة نظر الفنان إلى الجمهور، ويقيم أعمال الفنانين من خلال قيم المجتمع وتقبل الأشخاص فيه لما يقدمه الفنان، وينقل وجهة النظر المؤيدة أو المخالفة بطريقة أدبية، دون الإساءة إلى قيمة العمل الفني أو الفنان ذاته. (ص ص1-2)
ويتطلب النقد الفني معرفة الناقد بمجالات عديدة أهمها تاريخ الفن وفلسفته مع قدرة الناقد على الإجابة عن الأسئلة الحيوية التالية في عملية توضيح العمل الفني: (Stout 2000, P.35)
1- ما هو؟ أي العمل الفني أو موضوع العمل الفني وما قدمه الفنان من خلال هذا الموضوع.
2- من؟ أي الحديث عن الفنان الذي أنتج العمل الفني وأبدعه ويتضمن ذلك شخصيته وحياته الاجتماعية وحالته النفسية وكل ما يتعلق به.
3- متى؟ وتعني تحديد التاريخ والفترة التي تم فيها إنتاج العمل الفني وما يحيط بها من أحداث واتجاهات فكرية وسياسية واجتماعية وثقافية.
4- أين؟ أي التعريف بالمكان الذي قام الفنان بإنتاج عمله الفني فيه، أو انتمائه الحضاري، سواء أكان إلى بلد أو مدينة أو حضارة شعب أو قبيلة ما.
5- كيف؟ وتعني وصف الكيفيات الأدائية للفنانين والممارسات الخاصة بالإنتاج الفني وما يتعلق بها من خامات وأدوات وتقنيات.
6- لماذا؟ وهي عملية اكتشاف وتفسير الأسباب التي أدت إلى الحكم على جودة العمل الفني سواء العقلية أو العاطفية عند الفنان في عمله الفني وعند المتلقي في التذوق، مع مناقشة فلسفة العمل الفني ونظرية الفن. (Stout 2000, P.35)
وتعتبر إجابة الناقد عن هذه الأسئلة مهمة في توثيق الأعمال الفنية، والحفاظ على انتمائها الحضاري، وتحقق الفهم لها. فالأعمال الفنية هي نتاج الحضارة الإنسانية بمختلف أشكالها. والحضارات من مختلف الانتماءات تحتاج إلى نقل صورة واضحة عن فنونها، وتسجيلها للتاريخ، هنا يقوم النقد الفني بهذه المهمة ويمهد الطريق لتاريخ الفن الذي يدرس هذه الأعمال فيما بعد.
يعرض دوبس (Dobbs 1998,p33) الوظائف التي يقوم بها الناقد في أثناء نقده لتوضيح جودة ومعاني العمل الفني وهي كما يلي:
1- يعتني الناقد بتوضيح المدركات الحسية التي تساعد على فهم حكمه على الجودة البصرية الملموسة في العمل الفني والخصائص الأخرى التي تتحد وتعمل على تشكيل صورة فنية جمالية ذات معانٍ مختلفة.
2- يقوم الناقد بقياس عقلاني للجودة الفنية في العمل الفني بواسطة معايير تقوم على عمل مقارنات بأشكال أخرى من الأعمال سواء أكانت للفنان نفسه أو لفنانين آخرين ينتمون إلى نفس البيئة. ويمكن القياس بالنظر إلى الأعمال الفنية ذات الطبيعة الوظيفية من خارج إطار الفن.
3- يحاول الناقد تحسين البيئة الثقافية من خلال بث الأفكار الفنية التي تبرر الأسباب التي دفعت إلى تقدير قيمة مختلف الأشكال الفنية من مختلف البيئات والحضارات.
4- يركز الناقد على المستويات المختلفة لمعاني ومضامين الأعمال الفنية لمساعدتنا على تقدير القيم المتنوعة التي تحتويها.
ويرى البسيوني (1986) أن "الأصل في النقد الفني أن يكون مدخلاً للتذوق والاستجابة للقيم الجمالية في العمل الفني، وهو أيضاً أداة الحكم التي نعرف من خلالها فيما إذا كان الفنان قد أجاد، وكوّن شخصيته الفريدة وأصبح له عطاء، أم أنه مازال ينقل من هذا وذاك ولم يبلور شخصيته بعد." ويؤكد أن من يتصدى للنقد يفترض أن يكون على درجة عالية من التذوق وقادر على التنقيب عن الاتجاهات الأصيلة في الفن وكشفها وتشجيعها وخدمة الحركة الفنية والعمل على تطويرها." (ص68)
Bookmarks